الكاتب: الكاتب: عز الدين المناصرة
الكاتب: عز الدين المناصرة
جهينة محمد
دأبت مئات المواقع الإلكترونية على سرد قصة جفرا، بالحذف والإضافة حتى تحوَّلت هذه القصة الواقعية إلى أسطورة شائعة الصيت فلسطينياً وعربياً وعالمياً، ذلك أن أبناء الشعب الفلسطيني يرددون (قصتين في قصة)، هما جفرا الشهيدة، وجفرا التراث بالخلط بينهما أحياناً، وبإعلاء إحداهما على الأخرى أحياناً أخرى: جفرا التراث هي الأقدم، لكن جفرا الشهيدة هي الأكثر قداسة وتأثيراً، لأن جفرا التراث يشوبها التكرار، فهي قصة حب من طرف واحد، كما أن جفرا التراث باللهجة الفلسطينية، بينما جفرا الشهيدة بالفصحى. وقد أصبح معروفاً أن جفرا التراث، بطلها هو (أحمد عبد العزيز علي الحسن)، وهو من قرية كويكات، قضاء عكا. أمّا (جفرا الشهيدة)، فعاشقها هو الشاعر الفلسطيني الحديث (عزالدين المناصرة) من محافظة الخليل. وإليكم التفاصيل:
- حتى عام (1982)، كانت (جفرا)، نمطاً غنائياً شعبياً محدوداً يعرفه الفلسطينيون في الوطن والشتات، دون أن يُعرف (مؤلفه الأصلي)، شأن معظم الأنواع الغنائية، الشعبية السائدة في بلاد الشام. أما (قصة جفرا)، فقد كانت مجهولة تماماً إلاَّ في أوساط عائلات قرية (كويكات) العكيَّة، يتناقلونها همساً بينهم، بسبب التقاليد المرعية. ولهذا انفجرت القصة التراثية منذ عام 1982 فقط. ونحن نلاحظ أنَّ بداية تحول (جفرا) إلى رمز عربي، بل وعالمي، كان منذ (عام 1976) على وجه التحديد. فكيف حدث ذلك، ولماذا؟
- تحولت جفرا إلى رمز فلسطيني وعربي وعالمي ، عندما نشر الشاعر عزالدين المناصرة، قصيدته: (جفرا الوطن المسبي) عام 1976 في الصحف اللبنانية. هذه القصيدة من نوع (الشعر الحر التفعيلي الفصيح)، وهي تحكي مأساة الشاعر مع حبيبته التي استشهدت بنيران طائرة إسرائيلية في غارة على بيروت. اسمها الحقيقي، هو (جفرا النابلسي)، وهي طالبة فلسطينية كانت تدرس في (الجامعة الأمريكية)، وقيل: الجامعة اللبنانية، وقيل: الجامعة العربية في بيروت. كادت العلاقة العاطفية بين الشاعر وحبيبته تصل إلى مرحلة الزواج. وقال شهود بأنهم شاهدوا جفرا مع الشاعر في شارع الحمراء في بيروت، وفي وادي العرائش بمدينة (زحلة) اللبنانية، بل في (صيدا، وصور)، وهم يصفونها بأنها (ساحرة الجمال). اشتهرت قصيدة الشاعر المناصرة، عربياً وعالمياً بعد أن ترجمت إلى أكثر من عشرين لغة أجنبية، وبعد أن غناها من لبنان: مارسيل خليفة، وخالد الهبر. وبعد أن تحولت إلى فيلم يوغوسلافي تضمن الأغنية بصوت مارسيل خليفة، عُرض في مهرجان موسكو السينمائي الدولي عام 1980. كما تحولت إلى رقصة على ألحان خليفة في مدينة (برنو) السلوفاكية. وأنشدها أحد نجوم المسرح الفرنسي بالفرنسية في مسرح موليير في باريس عام 1997، بعد أن ألقاها الشاعر المناصرة بالعربية، بحضور فدوى طوقان، ومحمود درويش، وبحضور (جاك دريدا) فيلسوف التفكيكية الفرنسي، الذي وصفها بقوله (كأنها السحر بعينه). ومن المفارقات العربية حول (جفرا المناصرة)، أن التلفزيون اللبناني الرسمي، أذاعها بصوت خالد الهبر، خمس مرَّات متتالية في ساعة واحدة، خلال انقلاب العميد عزيز الأحدب، الضابط في الجيش اللبناني، حين استولى على التلفزيون، مما أشاع أن الثورة الفلسطينية هي التي تقف وراء الانقلاب آنذاك. وفي الألفية الجديدة غنت القصيدة، التونسية (آمال المثلوثي) عام 2008، وغناها الأردني (محمد عبد القادر الفار) عام 2011. وبتأثير من هذه القصيدة بعد اشتهارها عربياً وعالمياً، منذ عام 1976 وحتى اليوم، نشأت فرق شعبية، ومحلات تجارية، ومواقع الكترونية، تحت اسم (جفرا)، كذلك تأسست إذاعات، وتليفزيونات، وعدد كبير من المقاهي، والمراكز والمؤسسات الثقافية، تحت اسم (جفرا). بل ظهرت في (فلسطين - 48) حركة طلابية تحت اسم (جفرا)، وظهرت روايات وقصص وقصائد ومدوّنات تحت اسم جفرا، والأهم أن عشرات البنات في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن وتونس والجزائر والمغرب، أطلق عليهن اسم (جفرا)، بتأثير قصيدة (جفرا الوطن المسبي)، وليس بتأثير الفولكلور. هكذا استطاعت قصيدة حديثة أن تتفوق على الفولكلور الجماعي، كما قالت إحدى الصحف. هذه هي (جفرا الشهيدة)، التي تناقلتها مئات المواقع الإلكترونية، تحت عنوان: (جفرا مارسيل خليفة)، أو (جفرا عزالدين المناصرة). وكان مارسيل قد غنى قصيدة أخرى للشاعر المناصرة (بالأخضر كفناه) عام 1984 في ملعب الصفا في بيروت أمام (مئة ألف متفرج)، اشتهرت أيضاً على أنها نشيد الشهداء، وأصبحت نشيد الثورات العربية عام 2011، بل وصلت إلى الولايات المتحدة، حيث غناها مؤدي فن الهيب هوب الأمريكي (ايرون شيك) في ذكرى رحيل المفكر الفلسطيني (إدوارد سعيد) في عدة ولايات أمريكية.