إذ تقرأ هذه القصيدة، ستومئ رأسك موافقاً بعد كل بيت فيها، فهو يمس إحساسك بالناس حولك، ويكشف الستار عن عيوب المجتمع، ملئ بالحكمة وبالأشياء التي تود قولها، سلس ينساب في نفسك كانسياب الماء في الجدول، يضع اليد على الجرح وعلى الأشياء التي نحاول نسيانها فإذا هي مسطرة هنا تقول لك استيقظ وتأمل .. تأملوا معي إذن.
الجرح في الأعمـاق غائــر ... والدمع في الآمـاق ساهـر
وفؤادك المكلـوم يخفـــــق ... في الدجـى كجناح طائــــر
لا تقضِ حزنـاً إنهــــــــا ... كأس تدور بهـا المقـــادر
قدر يسيـره الإلــــــــــه ... على بنـي الإنسان دائـــر
هذه الحيـاة ، فهل بدا ... لشقائهـا يا صــاح آخــــر
تمضي بنـا والأمهـات ... يلــدن سكــان المقابـــر
عيش الفتى فيها خيال ... مر في ليـل بخاطــــر
وأرى بها صوت النوادب ... مثل دقات المزاهر
وغنيها مثل الفقيــر ... توحدت لهمـا المصائـر
كل إلى جوف التراب ... إلى ظلام القبر سائـر
ذاق الأوائل مرهـــا ... ولسوف يعرفه الأواخر
كم حامل تاج الممالك ... واسع الجبروت قاهـر
كانت تدق لدى الغدو ... وفي الرواح له البشائر
ناه إذا طلع النهــار ... وإن تراءى الليل آمــر
وثب المنون عليه ... مقهوراً وليس لديه ناصر
فإذا به بين الثـرى ... يحثو التراب عليه حافـر
* * *
وفتاة خدر ليس يرنو ... نحوها طرفُ لناظــر
لو أبصر الناس الجمال ... بها لقالوا سحر ساحر
سبحان من خلق العيون ... وشق هاتيك المحاجـر
عاشت ممنعة بسيف ... الأهل في ظل العشائــر
حتى إذا عبث الزمان ... بقومها الغـر الأكابـــر
برزت محطمة الفؤاد ... كسيرة والوجـه سافـر
والدهر أقسى ما تبدي ... لاطماً خد الحرائــر
* * *
فإلى متى يمضي الزمان ... وأنت في الآثام سادر
ما أنت في هذه الحياة ... سوى قليل الخلد عابـر
فاعمل على كسب المثوبة ... إنها زاد المسافـر
والمرء فإن ليس يبقى ... خالداً إلا المآثـــــــر
* * *
الكل حولك يذهبون ... وبالمنية أنت شاعــر
أين الذين عرفتهم ... ملء المجامع والمحاضر
ذهب الأحبة وانقضى ... عهد لهم فينان ناضر
خلت المنازل بعدهم ... من أنسها وانفض سامـر
لم تبق إلا لهفــة ... لمعذب وحنيـن ذاكــــر
وكأنهم ما أسعدوك ... بعطفهم والربع عامــر
وكأن سالف عيشهم .. حلم بجنح الليل عاطـر
تركوك مضطرم الجوانح ... هائماً والشوق ثائـر
لقد كان آخر عهدهم بك ... والزمان عليك جائـر
أيام تكبو في المسير ... مكافحاً والجد عاثــر
ولطالما صعد الجهول ... وباء بالخسران ماهـر
وجزعت يوم رحيلهم .. وتفطرت منك المرائـر
فيم البكاء وإن مضو ... بالأمس تمضي أنت باكر
* * *
والناس منهم إن طلبت ... ودادهم بر وفاجـر
فاربأ بنفسك أن يغرك ... منهم زيف المظاهـر
إن الذي باع الوداد ... بضائع الميثاق خاسـر
كم طاهر في ثوبـه ... هو ليس في خلق بطاهر
يبدي إليك مودة ... والحقد تخفيـه السرائـر
وعليك يثني حاضراً ... ويلوك ذمك غير حاضـر
* * *
أواه من غدر الصديق ... وآه من موت الضمائـر
فإذا ظفرت بصاحب لك ... في الصداقة غيـر غادر
فاحرص على كنز الوفاء ... فإنه في الناس نادر
منقول ...
ملاحظة .. القصيدة رائعة جداً
الرئيسية 